يناير 25, 2016
مقالات تربوية
العش المؤلم!
تعمل التنشئة الاجتماعية على تحويل الفرد إلى شخصية والشخصية إلى فرد اجتماعي يوجه سلوكه الوجهة التي تتفق مع توقعات الآخرين وتهيئه للاندماج الاجتماعي السوي، والشخصية المتسقة تتصف بتكامل عناصرها، بحيث ينتفي وجود التضارب بين الدوافع والبواعث الرئيسية لدى الفرد وبين القيم، ونظرًا لأهمية التربية والتنشئة في التأثير في شخصيات الأفراد وصياغتها، فقد نص البند السادس والعشرون من حقوق الإنسان على ما يلي (يجب على التربية أن تهدف إلى تفتح شخصية الإنسان وتعميق احترام حقوقه وحرياته الأساسية).
وتعتمد التنشئة في سبيل تحقيق ذلك على التفاعل الذي يتم بين الناشئ (الطفل) والقائمين عليه (الآباء والأمهات) فطبيعة هذا التفاعل ونوعه هو الذي يؤثر في تشكيل اختيارات الأفراد وسلوكهم وما يقومون به من أعمال، لأنه يتأسس على التأثير المتبادل بين الأفراد، وبمقتضاه يسلك الأفراد آخذين في الاعتبار أعمال الآخرين ونواياهم وأفكارهم، والتفاعل داخل الأسرة قوي التأثير لأنه يتم بوتيرة قوية تدوم ردحًا طويلاً من الزمن وتنبني عليه علاقات اجتماعية فرعية مختلفة، فالعلاقات الاجتماعية في معظم الأحيان تتضمن التفاعل، ومن ثم يصبح التفاعل أصل العلاقة.
ففي فترة الطفولة الأولى تتكون لدى الطفل نظرته إلى العالم، ويكتسب اتجاهه نحو محيطه ونحو نفسه، وذلك كله بفعل نوع علاقته بأمه ومدى رعايتها له، فبقدر ما يحققه التفاعل من دفء وإشباع لحاجات الطفل أو من إهمال وحرمان ستكون استجابات الفرد للعالم والآخرين بنفس الصورة أيضًا.
إن أشكال التفاعل التربوي القائمة في كثير من المجتمعات بين الكبار والصغار هي عمومًا غير سوية، لا تأخذ بالاعتبار تكوين الطفل النفسي وخصائصه وأفكاره وحاجاته، لذلك فهو يؤدي إلى نتائج عكسية، أي بدل التفاعل والتعاطف المتبادل الذي من المفروض أن يحقق اندماج الفرد ويساهم في خلق تكامل عناصر شخصيته، يؤدي هذا التفاعل القائم في مجتمعنا إلى خلق شخصيات متصلبة أو انعزالية أو قلقة مريضة يكتنفها إحساس بالنقص والدونية والقصور، معوقة نفسيًا، وبدل الاجتهاد في إثراء الحياة الاجتماعية بالعطاء والمبادرة والبذل، تقضي ناشئتنا حياتها يستغرقها بذل الجهد في خفض قلقها والتخلص من توتراتها، فيحرم المجتمع من طاقة شبابية مهمة كان ممكنًا أن تساهم في تنميته وتطويره.
مسؤولية الوالدين
إن الخبرات التي يتعرض لها الفرد خلال طفولته يكون لها تأثير بارز في رسم معالم شخصيته، من حيث القوة والضعف، أو الوضوح والتكامل أو الضياع والتشتت، بالرغم من أن معظم الأفراد لا يدركون هذه الحقيقة حق الإدراك، لأنها تصبح في عداد التجارب المنسية بمرور الزمن؛ والمؤكد في علم النفس أن سلوك الأفراد واستجاباتهم اللاحقة واتجاهاتهم، تعتمد بصورة أساسية على البناء السيكولوجي الطفولي، فجميع الخبرات المؤلمة التي تنتج عن المواقف الإحباطية، والصراعات التي يتعرض لها الأطفال، يكون لها أثر عميق في خلخلة التوازن بين الأنا والواقع، مما يؤدي إلى إصابتهم بأمراض واضطرابات نفسية.
فمسؤولية الوالدين ثابتة في تشكيل معالم وصفات شخصيات الأفراد.
والخبرات المؤلمة التي يتعرض لها الأطفال تأتيهم من علاقاتهم بوالديهم التي تعتبر مصدرًا لأغلب الصراعات، فالطفل يعتمد دائمًا على والديه للعلاقات وللسند، وأيضًا للحب. فإذا كان الوالدان مسرفين في البرود أو عدم الاستجابة، أو إذا كانا قاسيين يستعملان العقاب البدني وسيلة وحيدة في الضبط، ينشأ لدى الطفل شعور أساسي بعدم الطمأنينة والقلق الذي يؤدي إلى الصراع النفسي، فهو يحب والديه ولا يستطيع الاستقلال عنهما، وفي الوقت نفسه يخشاهما لما يسببانه له من ألم نفسي وبدني لا يستطيع دفعه، فينفر منهما.
وظاهرة فقدان الحب أو الحرمان العاطفي تمثل لدى الأطفال أكثر الخبرات المؤلمة المتعلقة بالوالدين، وبالأم بشكل خاص، إبان مرحلة الطفولة الأولى التي تمتد إلى العام السادس من عمر الطفل، وهذا الافتقار للحب وما يلقاه الطفل من إحباط في سبيل الحصول عليه، يترك في نفسيته ندوبًا عميقة تلحق مشاعره نحو ذاته ونحو الآخرين المحيطين به.
أجرى أحد الباحثين دراسة بحثت في أثر العلاقات بين الوالدين والصبيان على ظهور السلوك المنحرف، وكانت العينة تتألف من 44 حدثًا منحرفًا، فتبين له من نتائج الدراسة أن للحرمان أثرًا قويًا على الطفل خاصة خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الصبي، التي تكون حاسمة في تشكيل شخصية الطفل، كما تبين له من نتائج هذه الدراسة أن نسبة كبيرة من الصبيان المنحرفين، عانوا آثار معاملة قاسية من طرف والديهم، وكانت حياتهم تتصف بعدم الاستقرار والتوتر والقلق.
فالطفل الذي يشعر - من خلال أساليب التربية وأشكال التفاعل التي يخضع لها - بأنه منبوذ محروم من العاطفة والحنان، أو أنه غير مرغوب فيه، أو أنه لا قيمة ولا اعتبار له، يحاول وبشتى الوسائل إثارة الانتباه إلى ذاته المنسية وتأكيدها، وقد لا يفلح دومًا في ذلك، فتظهر عليه دلائل القلق والصراع النفسي واضطرابات السلوك المختلفة وأخطرها العصاب.
الصراع والتوافق
الصراع النفسي في الطفولة هو السبب الأساسي لسوء التوافق، ويعتبر من أهم مصادر الإحباط ويخلف آثارًا وندوبًا عميقة في نفسية الطفل، وقد أشارت دراسات وأبحاث عديدة إلى أن الصراعات النفسية العنيفة التي لم تحل في الطفولة تؤدي إلى تغييرات خطيرة في الشخصية تجعل التوافق في المستقبل أكثر مشقة وعسرًا.
ففي التوافق السوي يسعى الطفل إلى إشباع حاجاته وإرضاء دوافعه، أما في التوافق غير السوي فإن دافع الطفل لا يكون إشباع الحاجات بقدر ما هو الحاجة إلى خفض القلق، فالسلوك غير السوي ينزع إلى خفض القلق الناتج عن صراع لدى الفرد.
لهذا نجد الأطفال الذين يعانون الصراعات، وخاصة التي تنتج عن الإحباط، يصبحون مسرفين في الانفعال، إلى درجة أنهم يفقدون الضبط العقلي لسلوكهم، ويحار الوالدان في فهم أبنائهم ويتضايقون من حدتهم الانفعالية وسلوكهم، ولا يجدون بدًا من معاملتهم بأساليب مؤلمة قاسية مؤذية، لا تخلو من خطر نفسي وبدني وتؤدي إلى مضاعفة وزيادة تدهور حالة الأطفال المرضى المحتاجين للمساعدة، وتزيد من حدة الصراعات التي يعانونها وتعرضهم لمزيد من التوترات التي قد تصل إلى درجة القلق في حالات كثيرة، قلق ينتج عن التهديد بالأذى الجسدي وتهديد بتحقير الذات.
إن المواقف الصراعية التي يتعرض لها الأطفال خطيرة، وهي تتضمن الإحباط بشكل رئيسي، وللتخلص من هذه المواقف غير السارة يلجأ الأطفال إلى عدة طرق حددها علماء النفس في التوتر والاضطراب، أو التنميط، أو العدوان، أو الانسحاب، أو الخيالات، أو اللامبالاة أو النكوص وغيرها.
إن الصراع النفسي الناشئ من علاقات الطفل بوالديه يؤدي حتمًا إلى صعوبات في الاندماج الاجتماعي والتكيف، يعبر عنها بالسلوك الجانح كالميل إلى العدوان، والانطواء والنكوص والسرقة والتخريب وغيرها. والذي يجعل الطفل يتجه نحو الانسحاب بدل العدوان، أو إلى النكوص بدل غيره من ردود الفعل، هو التاريخ التعزيزي للسلوك، أي الظروف السابقة المشابهة التي جرب فيها رد الفعل ذاك ولقي تعزيزًا، وليس ضروريًا أن يكون التعزيز في شكل مكافأة أو سكوت، بل يكفي أن يحقق الطفل حاجته لتأكيد ذاته، فتأكيد الذات عند الطفل موضوع أساسي، وتكاد تهدف جميع استجاباته السلوكية وردود فعله إلى تحقيق ذلك وحماية الذات المهددة، ولو لقي في سبيل ذلك الضرب والأذى، فهذا العقاب يصبح في هذه الحالة تعزيزًا ويؤدي في أغلب الأحيان إلى تعلم الاستجابة السلوكيةوما أكثر ما يتعرض أطفالنا لهذا الشكل من العقاب البدني القاسي أحيانًا كثيرة.
قسوة الوالدين
العنف الأسري ظاهرة واسعة الانتشار في كثير من المجتمعات، وأكثر ضحاياه الأطفال، حيث يميل بعض الوالدين في معاملتهم وتربيتهم لأطفالهم إلى التمسك بالوسائل القسرية الزاجرة الشديدة الإيلام والتأثير على الطفل، فيلجؤون إلى الضرب المبرح لأتفه الأسباب، وفي ظنهم أن هذه القسوة ستحقق لهم التربية السليمة لأطفالهم؛ فالعقاب البدني هو أكثر طرائق التأديب استعمالاً في كثير من المجتمعات، ويشكل اتجاهًا تنشيئيًا سائدًا، ويستخدم بدرجات متفاوتة، كالصفعة وهي أكثر شيوعًا وأشد إيلامًا للنفس والبدن على السواء، إلى جانب الضرب على القفا أو في أي مكان آخر من الجسم، باليد أو بآلة أخرى كالحزام أو العصا أو النعال أو غير ذلك، لهذا الاتجاه التربوي انعكاسات سيكولوجية ووجدانية على الطفل، ويتفق كل المربين وعلماء النفس على خطورته وإن اختلفوا في تحديد آثاره ونتائجه على الطفل صغيرًا وكبيرًا وتقدير خطورتها.
حيث يرى بعضهم أن العقاب البدني الموجه نحو الطفل تتولد عنه مشاعر عدوانية نحو الوالدين والأب بشكل خاص، وقد تتحول هذه المشاعر بمرور الزمن، فيسقط الطفل – بعد أن يصير كبيرًا – دوافعه المكبوتة ضد المجتمع وضد أشكال السلطة فيه ويرى آخرون أن هذا العقاب ينتج عنه قصور في علاقة الطفل ببيئته، وعند كبره يصبح سلوكه عدوانيًا يلجأ إلى العنف كلما أتيحت له الفرصة , وغالبًا ما يعيد الأفراد إنتاج نفس العلاقات التربوية التي خضعوا لها في طفولتهم، الأمر الذي يوسع دائرة العنف ويجعله سلوكًا مقبولاً، ويهيئ بالتالي التربة الخصبة لإنتاج الجانحين، وهذه هي النتيجة التي توصل إليها NEY من بحثه الذي أجراه عام 1988 والذي أخضع فيه للدراسة عددًا من أنواع الإساءات التي يتعرض لها الأطفال، فتبين له ارتباط قائم بين شكل الإساءة التي تعرض لها الأبوان من قبل آبائهم سابقًا مع شكل إساءتهم لأطفالهم في الوقت الراهن.
والملاحظ خلال حالات كثيرة للقسوة والعقاب أن زيادة استخدام العقاب مع الطفل تؤدي حتمًا إلى الجنوح، لأن العقاب يخيف، والخوف يتعارض مع الرغبة في إثبات الذات، ويتصارع إحساسان قويان داخل الطفل: إحساس بالخوف ورغبة في إثبات الذات، وفي أغلب الأحيان يستجيب الطفل لرغبته في إثبات ذاته فيقوم برد فعل دفاعي وتختلف طبيعة هذا الرد ودرجة حدته من طفل لآخر باختلاف الأطفال وظروفهم، ويلقى رد الفعل بدوره عقابًا وهكذا تتكون حلقة مفرغة (خوف، رد فعل، عقاب) يصبح الطفل أسيرها.
ومن أهم الأبحاث المنجزة في هذا الموضوع دراسة «سعدي لفتة» على مجموعة من الأطفال الجانحين، وقد وجد أنهم كانوا يعانون قسوة وشدة أوليائهم عليهم تنغص عليهم العيش، كانوا يتلقون الضرب والكي بالنار والربط بالحبل والعزل بالغرفة والحرمان من الطعام والملابس والمصروف اليومي.
وفي دراسة أخرى وجد «سلامة» فروقًا ذات دلالة بين الجانحين والأسوياء في كثير من الحاجات النفسية المهمة، وكانت الحاجة إلى الانتماء إلى أبوين بديلين والحاجة إلى العدوان على الغير أكثر وضوحًا لدى الجانحين، وكان الجانحون قد وصفوا آباءهم بكل صفات السوء من خلال الاختبار، كما كان الخوف من العقاب والحرمان وفقدان الحب أكثر شيوعًا في قصص الجانحين.
وأسوأ ما ينطوي عليه الإفراط في العقاب البدني الموجه للطفل أنه يتضمن تبخيسًا وحطًا من قيمة الطفل، لأنه لابد لتبرير هذه العدوانية من الحط من قيمة الطفل، ويترتب على ذلك تكوين الطفل لصورة سلبية على نفسه، يظل يحملها طيلة حياته، يؤثر تصوره لنفسه على علاقاته بأصدقائه وإخوته وغيرهم، فهو ضعيف عاجز منعدم الفعالية والكفاءة وبدون طموحات تذكر، وكثيرًا ما يكون عرضة لظهور أعراض عصابية من مختلف الأنواع ومن جملتها عقدة النقص. هذه العقدة هي مجموعة من الأفكار ذات شحنة انفعالية قوية تدور حول ما يشعر به هذا الشخص من قصور هو وهمي في الغالب، وقد يدفع هذا الإحساس إلى الاتجاه نحو التعويض، الذي قد يحقق أهدافًا شخصية أو اجتماعية قيمة أحيانًا، إلا أن ذلك غير ممكن لجميع الأشخاص لأنه يصعب في البيئات الفقيرة إتاحة هذه الفرصة، وفشل التعويض يؤدي إلى العصاب حتمًا.
الحرمان
يتلازم الحرمان بالإهمال والنبذ والقسوة، وبجميع أساليب التربية التي تؤذي الطفل وتؤلمه، ويسهل ملاحظة الحرمان في علاقات الوالدين بأبنائهم، فهو قصور وضعف في صلاتهما بالأبناء وغياب التفاعل التعاطفي الصحي بينهم، وبالرغم من أن الوالدين قد يقضيان وقتًا طويلاً مع الأطفال، إلا أن الاتصال التعاطفي مع الطفل يكون ناقصًا ضعيفًا، في حين كان يجب أن تكون هذه الصلات عميقة قوية حميمة يسودها الود والتجاوب والتبادل العاطفي.
يقسم علماء النفس الحرمان إلى ثلاثة أنواع:
الحرمان الحسي: وهو نقص في الاتصال الجسدي بين الوالدين والطفل، ووسيلة هذا الاتصال التربيت باليد والاحتضان والملاعبة والتقبيل.
الحرمان الاجتماعي: وفيه يهمل الوالدان الطفل ويتركانه دون الاحتكاك به والتحدث معه ومبادلته العلاقات.
الحرمان الانفعالي: وهو عدم الاهتمام بمشاعر الطفل وانفعالاته المختلفة التي يبديها نحوهما أو نحو ما يحيط به من أشخاص ومواقف ومشاهد، وبهذا لا يساعد الوالدان الطفل على النمو الانفعالي بتزويده بالخبرات الانفعالية العاطفية الصحيحة.
يفسر علماء النفس حرمان الطفل من العطف والحب بأنه تعبير لاشعوري عن عدم الرغبة في إنجابه، ويسمون هذه العملية النفسية «تكوين الرجاع المعاكسة» وفي أحيان كثيرة يكون هذا الحرمان نتيجة عدم سعادة الوالدين في حياتهما الزوجية، وقد يكونان واعيين بذلك إلا أن حالتهما النفسية وانشغالهما بمشاكلهما التي خلفها زواجهما القلق جعلهما لا يوليان اهتمامًا بأطفالهما، وفي حالات أخرى ينتج الحرمان عن ظروف الوالدين الاجتماعية والمهنية التي تجعلهما يتركان الطفل للمربية أو الخادمة.
آثار الحرمان على الطفل تكون قوية خلال مرحلتي الطفولة الأولى والثانية، وحتى خلال فترة المراهقة، وتؤدي إلى نمو مشاعر سلبية نحو ذاته وتتكرر تصرفاته اللااجتماعية، وأكثر آثار الحرمان وقعًا عليه حين يكون صادرًا عن الأم – وهي منبع الحنان والعطف وأقرب الكائنات إليه – والأذى النفسي الذي يحس به هذا الطفل أعمق وقعًا وأكثر آلامًا من الأذى البدني.
ومن أسوأ نتائج الحرمان على الشخصية ميلها إلى العدوانية، التي يعبر عنها بإلحاق الأذى بالغير عن طريق التعبير والفعل، ويختلف الميل إلى العدوان من شخص لآخر ومن مرحلة نمو لأخرى، كما قد يؤدي إلى الانطواء والانعزال. ناهيك عن النفاق والرياء والكذب، أو غير ذلك من ردود الفعل غير السوية.
ضرورة تأهيل الآباء والأمهات
يقاس النضج الاجتماعي (Maturite social) بدرجة التحرر من الحاجة إلى رقابة الوالدين أو سواهما من الراشدين الآخرين، وهذا النضج شرط من شروط سلامة البنية النفسية للفرد ومطلب أساسي من مطالب التكيف الاجتماعي السوي، والفعالية، وقوة الشخصية؛ وهذه العناصر كلها مفتقدة في كثير من ناشئتنا. وهذا يشكل عائقًا حادًا أمام التنمية الاجتماعية، فلا بد لتحقيق هذه التنمية من تغيير في عادات الأفراد وسلوكاتهم وقيمهم, وهذا التغيير يتم عن طريق التربية والتنشئة، فهما الوسيلتان الفاعلتان في تعديل السلوكات والعادات وتشكيل ملامح الشخصية واتجاهاتها وقيمها.
فسبيلنا لتنشئة أجيال سليمة هو نشر الوعي التربوي بين الوالدين وتبصيرهم بالآثار النفسية لكثير من الأنماط والاتجاهات التربوية غير السوية.
إن الأبوة والأمومة من أخطر المهن وأصعب المهمات، لكن الجميع يقوم بها دون سابق تأهيل وتدريب، وإذا كانت مبررات الدعوة إلى تأهيل الوالدين وتدريبهما لتأدية واجباتهما التربوية والزوجية لم تقو على فرض نفسها في القرون الماضية، فإنها في هذا القرن نجدها قوية مقلقة في إلحاحها بعدما خرج زمام تربية الأطفال وتنشئتهم من يد الأسرة، وبعدما تعددت وتنوعت المؤسسات التي تؤثر في توجيه الأطفال وتربيتهم.
إنه أصبح من المتعين تدريب الآباء والأمهات على تربية الأبناء وتعليمهم أصول هذا الفن وقواعده، وشروط التفاعل الجيد مع الصبيان، فإن لم نستطع ذلك فلندْعُهُم إلى حب الأطفال وإسباغ العطف والحنان عليهم والاهتمام بهم، وذلك أضعف الإيمان.
ليست هناك تعليقات: